د. الشويقي يخترع أقوالاً للشريف حاتم العوني ، ثم يحاسبه عليها .. !!
د. الشويقي يخترع أقوالاً للشريف حاتم العوني ،
ثم يحاسبه عليها .. !!
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد :
فقد اطلعت على اللقاء الذي أجراه الإعلامي المتميز أ. عبد الله المديفر ، مع الأخ
د . بندر الشويقي وفقه الله في برنامج ( لقاء الجمعة ) ، حيث كان يدور اللقاء حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، ونتاج أئمة الدعوة النجدية في موسوعة الدرر السنية ، وعلاقتهما بالغلو في التكفير .
وكان اللقاء في فحواه كالرد والتعقيب على اللقاء مع الشيخ د . حاتم بن عارف العوني
في ذات البرنامج ، وعن ذات الموضوع .
وبغض النظر عن تفاصيل كل من اللقائين وما دار فيهما ، فإنني تعجبت كثيرا من مقالات عديدة نسبها الدكتور بندر إلى الشيخ حاتم ولا أساس لنسبتها إليه !!
تعجبت من ذلك لأن التقوّل على المخالف ليس من شأن طلاب الحق ،
وأحسِبُ د. بندر منهم .
ومن ذلك التقوّل :
الكلام الذي افتتح به د. بندر حديثه في الرد على د. حاتم بأن قرأ جزءًا من مقال سابق للشيخ حاتم في توضيح ضابط كفر من أنكر شيئاً من الدين بالضرورة ، ثم نسب إلى د. حاتم القول بأنه ينكر كفر من أنكر معلوماً من الدين بالضرورة مطلقاً .. !
ثم – وبعد أن نسب إليه هذا القول الباطل – بدأ يحاكمه إلى مقتضياته ولوازمه
(( حتى يبين بطلانه في نظره )) حتى وصل إلى القول بأن إسلام مسيلمة الكذاب
هو مقتضى قول الشيخ حاتم .. !
ولم ينتبه د. بندر إلى أنه يحاكم د. حاتم إلى قولٍ لم يقل به .. !!
ويبدو أن د. بندر قد حملته العجلة أو سوء الرأي فأخذ القول الذي ينسبه إلى د. حاتم
من المعنى الذي تبادر إلى ذهنه ، وليس من الكلمات التي كتبها د. حاتم في مقاليه عن إنكار المعلوم من الدين بالضرورة .
وإلا فلو رجع فقرأ المقالين :
1 / http://www.al-madina.com/node/496069?risala
2 / http://www.al-madina.com/node/497659?risala
(( وهو متابع لكتابات الشيخ حاتم كما وصف نفسه )) لوجد المعنى الذي يختلف كلياً عما فهمه عن الشيخ ، فنسبه له ، ثم حاكمه إليه .
فقد قال الشيخ حاتم في تتمة المقال : (( وسبب عدم تكفير أهل الشهادتين بإنكار معلوم من الدين بالضرورة: هو أن شرط صحة هذا التقرير أن يكون الذي ينكر المعلوم من الدين بالضرورة ينكره وهو يعلم يقينًا أنه من الدين، أمّا إذا كان إنكاره ناشئًا عن جهل بسيط (عدم علم)، أو عن جهل مركب (تأوّل) = فهذا لا يَكفُر، ولا يجوز أن يُكـفَّر ))
ثم قال بعد أن ذكر أمثلة لعدد من الصحابة الذين أنكروا أشياء معلومة من الدين بالضرورة ، ولم يكفرهم أحد :
(( ولو كان بيان مجمع الفقه قد قال: (ولا يُنكر معلومًا من الدين بالضرورة، مع التيقن من كونه عالمًا بيقينية ما أنكره)، لكان البيان بهذا القيد أولى بالصواب. لكن البيان لا يقبل إضافة هذا القيد الصحيح أصلاً؛ لأنه يتكلم عن الجماعات (فئة) التي تُنكر معلومًا من الدين بالضرورة، والفئة التي تشهد الشهادتين لا يمكن تكفيرها حتى بذلك القيد؛ لأن القيد يوجب التثبت من كل فرد منها: هل كان عندما أنكر المعلوم من الدين بالضرورة عالمًا بكونه معلومًا بالضرورة أم لا؟ ولا يمكن بهذا القيد تكفير جماعة من المسلمين دفعة واحدة!! ))
فالشيخ حاتم هنا يوضح أن هذه القاعدة لابد لها من قيد يقيدها لتكون صحيحة ، كي لا يقع من يقول بإطلاقها في تكفير بعض أجلاء الصحابة ، وفي مخالفة النص الشرعي دون أن يعلم .
كما في حديث الرجل الذي طلب من أهله أن يحرقوه إذا مات ، وأن يذرُّوه في البحر
(( فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا )) ، فلما مات فعلوا به ما أراد ، فجمعه الله . وسأله عما حمله على ذلك ، فقال خشيتك يا رب ، فغفر الله له بذلك .
فهو هنا يشك في قدرة الله على جمع الجسد المتفرق رماداً في الهواء ، ويشك في وجود البعث بعد الموت ، وكلاهما كفر لأنهما مما يُعلم من الدين بالضرورة ولا شك ،
(( لكنه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته منه جاهلا بذلك ضالا في هذا الظن مخطئا. فغفر الله له ذلك )) كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهذا ما جعله - رغم شكه في معلوم من الدين بالضرورة - لا يزال مؤمنا يستحق المغفرة .
والشيخ حاتم حفظه الله أنكر على المجمع الفقهي عدم وضع هذا الشرط والقيد في القرار المشار إليه حتى يكون (( أقرب إلى الصواب )) ، مع أن مثل هذا القيد لا يمكن تطبيقه على جماعات وفئات من الناس ، لأنه يختلف من شخص إلى آخر ، وحينئذٍ فلا مجال لتعميم الشرط
في تكفير أي (( فئة )) من المسلمين كما عبر القرار .
والغريب هنا أنه لم يفهم أحد من هذا المقال أن د. حاتم ينكر كفر من أنكر معلوماً من الدين بالضرورة مطلقاً كما فهمه د. بندر الشويقي ؛ لأنه فهم تنقضه عبارات الدكتور حاتم الصريحة القاطعة في المقالين المتتاليين .
لم يفهم أحد فهم الدكتور بندر ، ولا حتى د. أحمد أبو عليو مدير إدارة الدراسات والبحوث في مجمع الفقه الإسلامي الذي رد على مقالي د. حاتم بمقال في ذات الصحيفة .
http://www.al-madina.com/node/502384?risala
بل إن د. أحمد وافق د. حاتم في شرطه الذي اشترطه لكي تصح العبارة ، وتقريره الذي ذكره فقال :
(( ما أورد بقوله:
" ولو كان بيان مجمع الفقه قد قال: (ولا يُنكر معلومًا من الدين بالضرورة، مع التيقن من كونه عالمًا بيقينية ما أنكره)، لكان البيان بهذا القيد أولى بالصواب .. "
يجاب عليه بأن اشتراط العلم من البديهيات التي لا تحتاج إلى تنصيص عليها،
وفي علمي أن الكاتب من المنسوبين لأهل العلم، ومن ثم فهي أوضح من أن يُنص عليها .. وما أراد الكاتب اشتراطه هو عندهم من البديهيات ))
وبعيداً عن أن العلماء قد قرروا اشتراط هذا الشرط لصحة القاعدة ، وأن بعض العلماء حكى الاتفاق عليه ، فإن فقهاء المجمع الفقهي - صاحب القرار نفسه - متفقون مع الشيخ حاتم على تقريره واشتراطه ، بل هو عندهم (( من البديهيات )) كما عبر د. أحمد أبو عليو في مقاله .
فإذا كان كثير من علماء الأمة سابقاً ، وفقهاء المجمع الفقهي حالياً موافقين لتقرير د. حاتم ،
فكيف يتهمه د. بندر بأنه (( أتى بمذهب جديد )) في هذه المسألة ويخالف كل العلماء السابقين واللاحقين ؟؟!!
وبغض النظر عن سبب خطأ د. بندر هداه الله في نسبة قول باطل - لا يقول به أحد -
إلى الشيخ حاتم ، خلاف صريح ما قاله ؛ ودون وجود أدنى شبهة في كلامه يمكن أن تكون عذراً له في فهمه ؛ فإنه أيضا لم يكتفِ بعرض القول - الذي اخترعه – وحده ،
بل بدأ يحاكم د. حاتم إلى اللوازم الباطلة لهذا القول المخترع !
وبدأ يعدّدها ليزيد من تشنيعه الباطل على القول ، مع أن د. بندر يعلم قطعاً
أن (( لازم القول ليس بلازم )) ، هذا لو كان لازم القول فعلاً ،
فكيف وهو ليس قولاً للشيخ حاتم ، فضلاً عن أن يكون لازم قوله !!
حتى بلغ بالدكتور بندر الغلو في اختراع التشنيع أن ادعى أنه من لازم قول الشيخ :
القول بإسلام مسيلمة الكذاب الذي لا يخالف مسلم في كفره .. !!
ويشبه خطأ د. بندر هنا في نسبته إلى الشيخ حاتم ما لم يقله في مسألة إنكار كفر من أنكر معلوماً من الدين بالضرورة مطلقاً ، ما أشار إليه في اللقاء من أن = من يخترع مذهباً جديداً يخالف فيه كل العلماء ، ويقول للغالين في التكفير : (( ترى العلماء كلهم زيكم غلطانين ، من القرن الثالث ، ومن بعد القرون المفضلة وهم يقررون التكفير خطأ ، هم العلماء كلهم معك أنت ، تعال عندي ، أنا عندي مذهب جديد في التكفير أحسن لك ))
على حد تعبير د. بندر في اللقاء = أنه خطير في دعم الغلو والتطرف الحاصل في التكفير ، لأنك (( إذا أقررت لي أن الخلل في التكفير – ما تقول أنه خلل – موجود من تلك الأيام ، فأنت الآن أعطيتني مستند ، وما عادت القضية اجتهادات شباب مندفعين ،
أصبحت اجتهاد علماء )) كما يقول ..
فالدكتور حاتم – الذي يعرّض بطرحه د. بندر هنا – لم يقل (( العلماء كلهم زيكم غلطانين )) ولا قال : (( العلماء كلهم معك )) لمن يخالفه من غلاة التكفير ، إنما قال في تقريره عن وجود أخطاء في بعض مسائل التكفير :
(( أكثر العلماء )) (( كثير من العلماء )) ، وفارق كبير بين (( الكثير )) و (( الكل ))
كما هو ظاهر .
وإجماع العلماء – الذي تضمنته كلمة (( العلماء كلهم )) – هو الذي يمكن أن يكون حجةً للغلاة في التكفير كما في نظرية د. بندر ، أما خطأ (( كثير )) من العلماء
في مسألة أو مسائل ، فليس بحد ذاته دليلاً على صواب ولا خطأ ، لا للغلاة ولا لغيرهم .
ثم هذا التقرير بأنه وقع كثيراً من العلماء بعد القرون الثلاثة المفضلة شيء من الاضطراب والخلل في مسائل التكفير ليس بدعاً من القول من د. حاتم ، بل هو مسبوق إليه ، فهذا الإمام الغزالي يقول : (( اعلم أن للفرق في هذا مبالغات وتعصبات، فربما انتهى بعض الطوائف إلى تكفير كل فرقة سوى الفرقة التي يعزى إليها )) في كلام له طويل عن التكفير بحق وبغير حق ومناط التكفير ، ختم فيها بقوله : (( فإن أكثر الخائضين في هذا إنما يحركهم التعصب ))
فهو هنا يقرر - منذ القرن الخامس الهجري - مبالغات الفرق في التكفير ، حتى كفر بعضهم بعضاً ، وحتى بلغ ببعضهم أن كفر كل مخالف له ، وأن الخلل موجود عند (( أكثر)) الخائضين في هذه المسائل .
وأنا هنا أمثل بمثال يوضح وجود الخلل والاضطراب في بعض مسائل التكفير عند جماعات من العلماء فيما بعد القرون الفاضلة :
فمسألة حكم إيمان الخوارج ، والتي أجمع الصحابة رضوان الله عليهم فيها على عدم كفرهم ، كما نقل إجماعهم عدد من العلماء كالطبري والخطابي وابن تيمية وغيرهم ، بل صرح ابن المنذر في القرن الثالث الهجري بعد أن نقل قول بعض أهل الحديث في تكفيرهم : (( لا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم وجعلهم كالمرتدين )) فهو – رغم ظهور بعض الخلل عند بعض المحدثين من غير الفقهاء - لا يزال يحكي ما يشبه الإجماع عن الفقهاء إلى عصره على عدم كفرهم ، وأنه لا يعلم فقيهاً قال بهذا .
ثم بدأ الخلل يتضح أكثر بعد القرون الثلاثة في هذه المسألة التي أجمع عليها الصحابة ثم فقهاء القرون المفضلة الثلاثة ، حتى وجد من العلماء من قال بكفر الخوارج ، كما صرح بذلك
ابن العربي وغيره ، حتى جاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تبيينه لأقوال الفقهاء في هذه المسألة فحكى أن في كفر الخوارج قولين مشهورين عند العلماء في مذهب مالك وأحمد ،
وعند الشافعية نزاع في كفرهم ، رغم أن شيخ الإسلام نفسه أحد العلماء
الذين نصوا على إجماع الصحابة على عدم كفرهم ..
فانظر كيف ظهر الخلل في مسألة من مسائل التكفير كان عليها إجماع الصحابة والفقهاء
في القرون المفضلة ، ثم أصبحت عند من بعدهم مسألة خلافية فيها قولان مشهوران ..
وقد وقع هنا د. بندر غفر الله له من جديد في ذات الخطأ في خلال اللقاء ، فاخترع قولاً جديداً للدكتور حاتم لم يقل به ، - وكعادته – قام بالتشنيع عليه بلازمه ، وأن من يقول هذا القول فهو يزيد من الغلو في التكفير ، ويشجع الشباب عليه ..!
واكتملت ذروة اللقاء بقول د. بندر (( معتقداً جازماً )) إن تقريرات د. حاتم العوني هذه
- التي نسبها له د. بندر - (( أبعد عن دين الإسلام من منهج الغلاة في التكفير ،
وهي أخطر على الإسلام منه )) فهي (( من تحريف الدين واللعب فيه )) كما قال .
ولستُ أستحل لنفسي أن أدخل في نيّة د. بندر الشويقي ، وهل قصد أن يخترع أقوالاً للدكتور حاتم أم لا – رغم تكرار ذلك منه - ، (( وهو إن شاء الله ممن لا يقصد ذلك )) ،
لكن هذا التهويل الذي وصل إليه في التشنيع على د. حاتم بقولٍ هو مخترعه يحتاج منه
– في نظري – إلى إعادة النظر في طرحه في اللقاء .
فالتهمة التي وصل إليها (( من تحريف الدين واللعب فيه )) ليست أمراً هيناً ،
فضلاً عن قوله أن منهجه (( أخطر على الإسلام من منهج الغلاة في التكفير )) .
وطالما قد ثبت أن القول الذي شنع به على د. حاتم العوني قول غير صحيح ، وهو من اختراعه
فعليه أن يوضح موقفه منه إما بإثبات القول الذي نسبه ، أو الاعتذار .
وكتبه : براء يوسف أحمد حلواني
25 / 11 / 1435 هـ