خواطر متناثرة حول كتاب (سُلطة الإجماع) للدكتور حمادي ذويب
خواطر متناثرة حول كتاب
(سُلطة الإجماع) للدكتور حمادي ذويب
هذه خواطر سجلتها أثناء قراءتي لكتاب الدكتور ، مستغربًا من جرأته في تناول هذا الموضوع الكبير بهذا القدر من الاستخفاف ، مدفوعًا إلى نتائجه قبل البداية في دراسته بالعمق الكافي !
وإليكم هذه الخواطر ، والتي لا أجد الكتاب يستحق أكثر منها :
الخاطرة الأولى :
قام الكتاب كله على فرضية تقول : إن القول بحجية الإجماع إنما برز لحاجة تاريخية واجتماعية ، وهي الحاجة للوحدة وعدم التفرق مع نشوء الفرق والطوائف .
وهذه الفرضية ترد في أول الكتاب : في مقدمة الكتاب ، ويستخلصها في غلافه الخارجي من الخلف ، ويقيم المؤلف الكتاب عليها ، دون دليل صحيح يثبتها .
فهي مسلّمة لديه ، لا دليل يثبت صحتها ؛ إلا مجرّد الاحتمال والتحليل الشخصي الذي لا يستطيع الاستدلال عليه وإثباته .
وأما كون الإجماع قد برز لكونه حقيقة علمية وطريقة من طرق تحصيل المعرفة ، فهذه الحقيقة (أو الاحتمالية) فلا يمر الكاتب عليها ؛ إلا لأنها تعارض مسلمته الجديدة ، وهي فرضيته الجديدة تلك .
إن النزعة للحرية والاستقلال عند الإنسان المعاصر (وهي محمودة) ، واستغلال كراهية الاستبداد السياسي عند المسلمين ، قد أصبحت كلها هي السلطة التي ينطلق منها هؤلاء الباحثون في هدم التراث . ولئن كانت هناك سلطة دينية وسياسية تهيمن على الاجتهادات الفقهية قديما وحديثًا ، ومن تعميم دعواها والمبالغة فيها ينطلق الدكتور وأمثاله من الباحثين لنقد التراث ، فإن سلطة التمرّد على السلطة العتيقة يجب أن يكون هو منطلق نقدهم لأنفسهم ولأطروحاتهم المتّهمة بالانسياق لسلطة الحرية والاستقلال والثورة على الاستبداد الديني والسياسي .
الخاطرة الثانية :
يعتبر ذويب أن الإجماع مجرد أداة سلطوية لنفي المخالف : فمارسه أهل السنة ضد الشيعة والخوارج !
طبعا هذا نشأ عن خطيئتين علميتين :
الأولى ؛ نشأ عن فرضية متشبعة بسوء الظن بعلماء المسلمين وأئمتهم ، فهم على مر العصور إقصاؤيون ، وذويب وحده هو المنصف المنفتح على الآخر !!
الثانية : نشأ عن جهل بالأدلة القطعية على بطلان ما خالف فيه الشيعةُ والخوارجُ أهلَ السنة ؛ وكأن أهل السنة لم يجدوا دليلا على ( نفي ) الشيعة والخوارج ، فاضطروا لاختلاق فكرة الإجماع .
وهذا جهل بمقالات الطوائف وبأدلة مناقشتها عند أهل السنة .
ولكن الذي يجهله ذويب تماما ، ويُسقط دعواه هذه من أساسها ، أن إخراج خلاف الشيعة والخوارج من التأثير في نقل الإجماع ليس على إطلاقه ، كما توهم ، وأقام على توهمه هذا فرضيته هذه !
فلو كان بروز الإجماع لحاجة النفي والإقصاء للمخالف (كما يقول ذويب) ، فلماذا نجد كثيرا من الأصوليين يقررون الاعتبار بخلاف الطوائف المخالفة (كالإمامية والخوارج) مطلقا أو بتقييد ، وكان من أواخر من اعتدّ بخلاف جميع طوائف المسلمين ، ومنهم الإمامية : شيخ الإسلام ابن تيمية ، أحد أكثر العلماء اتهاما بالإقصائية !! مع ذلك يرى ابن تيمية أن الإجماع لا ينعقد بغير وفاق الإمامية ، في رده على السبكي في مسألة الطلاق .
فهل تصح بعد ذلك قاعدته في تفسير الإجماع وفي التأريخ للقول بحجيته ، وقد انهدمت دعواه من أساسها ؟!
الخاطرة الثالثة :
يناقش ذويب أدلة حجية الإجماع دون فهم :
فلا يفرق بين إجماع يقيني وظني (مع نقله عن غيره ذكر هذا التقسيم ٨٨) . وهذا خلل منهجي يبين مقدار سطحية هؤلاء المتطاولين على التراث ، وأنهم يستغلون سطحيتهم لهدمه ، باسم مناقشة المسلّمات .
ويؤكد ذويب غفلته عن الفرق بين الإجماع اليقيني والإجماع الظني ، مما جعله عاجزا عن فهم الإجماع وحجيته ، عندما تكلم في آخر كتابه (١٥٥-١٥٦) عن المجمِعين : هل يُشترط فيهم أن يكونوا جميع الأمة ، أم يكفي فيهم اتفاق المجتهدين فقط . فنقل الاختلاف بين العلماء في ذلك ، وهو لا يعلم أن بعض من اشترط إجماع الأمة ، هو نفسه اكتفى في مواطن بإجماع المجتهدين ؛ لأن الإجماع الظني لا يُشترط له إلا ما يفيد غلبة الظن ، وهي غلبة الظن بإجماع المجتهدين ، بخلاف الإجماع المفيد لليقين باستقلال .
الخاطرة الرابعة :
يفرح الدكتور بما قيل من رد إبراهيم النظام المعتزلي لحجية الإجماع :
- دون أن يقف كما يجب مع ما نُقل عنه من تقييده لهذا الإنكار ؛ ومروره العابر على هذا النقل المقيّد عن النظام بتشكيكه فيه مجرد مصادرة مفضوحة .
- ودون أن يشير إلى آراء أخرى منقولة عن النظام نفسه لها علاقة بحجية الإجماع عنده ، كحجية المتواتر والآحاد .
ومما فات ذويب في ذلك : أن النظام قد نُقل عنه أن خبر الآحاد يفيد العلم ! فهل وقف ذويب من هذا التناقض أي وقفة !!
بل لم يقف مع رأي النظام من المتواتر ، مع علاقة المتواتر بالإجماع ظاهرة ؛ لأن خبر العامة عن العامة (وهو صورة من صور التواتر) هو نفسه صورة من صور الإجماع اليقيني أيضًا ، الذي لم ينكره أحد من العقلاء ، ومنهم النظام !!
الخاطرة الخامسة :
كما هو متوقع : يفرح ذويب بالاعتراضات على حجية الإجماع ، حتى لو جاءته من خارجي جاهل ، يكفر المسلمين ، ولا يرفع ذويب رأسا بشيء من ردود العلماء عليهم .
ولذلك يدندن حول ردّ الخوارج لحجية الإجماع ، وكأن الخوراج الذين كانوا أعرابا جهلة ، والذين كانوا متطرفين منغلقين وغلاة متنطعين = مما يمكن أن يجد انفتاح الدكتور واعتداله وإنصافه فيهم ما لم يجده عند الصحابة الذي كُفروا من الخوارج ، وما لم يجده عند بقية المسلمين !
طبعًا نحن لا نناقش فكرة (الحكمة ضالة المؤمن) ، لكن فقط أردنا التنبيه إلى هذه المفارقة : أن المنفتح المعتدل يجد ضالته عند أشد الناس انغلاقا وتطرفا ! عسى أن تدعو هذه المفارقة إلى مزيد من التفكير في منهج الدكتور البحثي ودوافعه إليه !
الخاطرة السادسة :
لا يعرف ذويب الفرق بين حقيقة إجماع اليهود والنصارى الذي يزعمه ، وإجماع المسلمين ، ويعتبر الرد على الحجة العقلية لحجة الإجماع بإجماع اليهود والنصارى على ضلالهم ردا عقليا محكما على الحجة العقلية لحجية الإجماع التي تعتمد على توفر العادات على النقل رغم اختلاف الدوافع وتباين الأهداف .
وهذا القبول لهذا النقد السطحي كارثة علمية ، تبين عدم فهم ذويب لفكرة الإجماع ولأدلة حجيته ؛ حيث ظن أن إجماع اليهود والنصارى ينقض دليل حجية الإجماع .
الخاطرة السابعة :
يمارس ذويب المصادرة دائما : فعندما نقل عن المفيد والشريف المرتضى (من الإمامية) الاحتجاج بالإجماع (٤٢-٤٥) ، وهو (أي ذويب) لا يريد الشيعة ممن يحتجون به ؛ لأن هذا سيهدم فرضيته التي جعلت الإجماع نبتة سنية لنفي الشيعة = جعل هذا الموقف منهما خضوعا للسلطة السنية ، ومداهنة علمية ، بقصد التقارب مع السنة !
هكذا بلا مقدمات ، وبلا استدلال ؛ إلا من أن ذويبا يريد ذلك !
ونسي أن الشيعة احتجوا بالإجماع على أهم ما يفارقون به أهل السنة : وهو تفضيل علي ( رضي الله عنه ) على أبي بكر وعمر ( رضي الله عنهما) ، وعلى إثبات إمامته ، وعلى إثبات عصمة الأئمة !!
فإن كان الشيعة قصدوا التقارب مع السنة بإثبات حجية الإجماع ، فأي تقارب هذا الذي صنعوه ، وقد احتجوا بالإجماع على أشد أنواع مفارقتهم للسنة .
ويحتج ذويب على فرضيته هذه بعبارة للشريف المرتضى ، يشير فيها المرتضى أن القول بحجية الإجماع ليس الشيعة هم أول من قال به . فيجعل ذويب هذا القول دليله على زعمه ، رغم مناقضة تفسيره بعضه مع بعض كما سبق ، ورغم صراحة كلام المرتضى بحجية الإجماع ، وإن سبق أهل السنة إلى إثباته .
بل يتغافل ذويب أنه نقل هو نفسه (٥١) عن المرتضى بأن الإجماع لا يكون حجة عند الشيعة إلا إذا كان في المسلمين الطائفة المحقة ، ويقصد بهم الشيعة . كذا يقرر الشريف المرتضى ! فأي تقارب أراده المرتضى بمثل هذا التقرير ، وها هو يمارس الإقصائية نفسها التي نسبها الدكتور إلى أهل السنة وادعى أنها هي سبب نشوء القول بحجية الإجماع عندهم !!
أعجب من تخليط هؤلاء الباحثين ومن كثرة تناقضهم .
ونسي ذويب فرضية (ليته عدها فرضية) تقول : إن أصول الفقه كله أول من صنف فيه هم أهل السنة أصلا ، وأن أهل السنة سبقوا الشيعة في كثير من الفضائل العلمية ! فليس ذكر الشريف المرتضى لسبق السنة إلى تقرير حجية الإجماع دليلا كافيا للاستدلال به على أن الشريف المرتضى لا يرى الإجماع حجة ، وإلا للزم أن يكون كل ما سبق أهل السنة فيه الشيعة سببا لردّه عندهم ، وهذا لا يقول به عاقل منهم !
ولكن المهم : أنه قد أصبح هذا السبق العلمي لأهل السنة عند ذويب ، وحسب فرضيته هو : تُهمة لأهل السنة وتشكيكا في صحة تقريرهم !!
الخاطرة الثامنة :
وكمصادرة ذويب تأتي انتقائيته الجائرة :
ففي حين ينتقد حجية الإجماع ، لكونه لا دليل عليه ، حسب رأيه . فهو يعتد بتشكيك الشيعة فيه ، رغم احتجاجهم به أيضا ؛ لأنهم حسب وجهة نظره إنما احتجوا به لحجة تختلف عن حجيته عند أهل السنة ، وهي حجة : وجود الإمام المعصوم ضمن المسلمين ؛ كما نقله عن الطوسي والحلي .
فلا أدري : هل يريد ذويب أن يعتد بعدم احتجاج الشيعة بالإجماع ؛ لأنهم احتجوا به بسبب وجود الإمام المعصوم ؟! هل هذا هو مقتضى عقل ذويب ؟!!
عجبا لعقل يدعي رد الأدلة العقلية لحجية الإجماع ، ويستدل لذلك باحتجاج الشيعة بالإجماع ؛ لأن في المسلمين إماما معصوما !!
ويدل على مستوى هذا العقل أن ذويبا يتقوى برد مؤسس الطائفة الأخبارية من الشيعة الإمامية الميرزا محمد أمين الاسترابادي (ت١٠٣٣هـ) ، الذي رد حجية الإجماع . إذ يبدو أن ذويبا سيفرح بكل من رد الإجماع ، ولو كان لا يرد الإجماع فقط ، بل ينفي معه أن يكون العقل (نفسه) والاجتهاد مصدرا من مصادر الفقه !! فانظر كتاب ذويب (٤٧) .
فمن أجل عقلانية مناقشة الأدلة العقلية لحجية الإجماع : لا بأس أن أردها بقول من لا يعتد بحجية العقل والاجتهاد أصلا !!! فبالعقلانية أقبل كلام من لا يقبل العقلانية !!
ولا يُعفي هذه العقلانية من اللاعقلانية ما ختم ذويب به فصله هذا من انتقاده السريع المبتسر لفكرة عصمة الأئمة (٥١-٥٢) ؛ لأنه لم يستثمر نقده هذا في موقفه من تبجيل موقف الشيعة في رد الإجماع أو قبوله !!!
الخاطرة التاسعة :
من المفارقات لدى ذويب : أنه ربما استقوى بالإجماع في رده على حجية الإجماع !
فلا مشكلة عنده أن يمرر فكرة دون مناقشة ، ما دامت مما (اتفق) الدارسون عليها (٦٦)!
الخاطرة العاشرة :
لقد أثبت ذويب أن عقله لا تستهويه إلا التشكيكات في الثوابت ؛ لأنها هي الدليل على الموضوعية وعدم الخضوع لسلطة السائد !
فمثلا : عندما نقل عن المستشرق جولد زيهر استضعافه لدرجة ثبوت حديث (( لا تجتمع أمتي على ضلالة )) في إثبات مصدرية الإجماع ؛ لأنه حديث حسن فقط . قال ذويب مستطردا (٨٠) : (( والجدير بالذكر أن هذا المستشرق المجري قام في كتابه حول السنة بالتشكيك في كامل مدونة الحديث ، مطبقا عليها مناهج النقد التاريخي ، لكي يصل إلى أن غالب الأحاديث ينبغي أن تكون ظهرت في آخر العصر الأموي وأوائل العباسي)) .
وانظر (٨٧) نقله عن غيره ممن ينكرون حجية الإجماع : وصفه موقف جولد زيهر وشاخت المشكك في السنة ، بأنه موقف ضروري ومضيء !!
ونسي الدكتور ذويب : أن من (الجدير بالذكر) أيضا أن جولد زيهر قد شكك أيضا في القرآن ، ونسي ذويب أن من (الجدير بالذكر) أيضا أن هناك عشرات الكتب والبحوث ردت على جولد زيهر ، وبينت عدم موضوعيته ، وأنه لم يطبق منهجا تاريخيا ولا غيره ؛ لأنه كان عدائيا إلى أقصى حد من العدائية الماكرة تجاه الإسلام ومصادره .
المهم عند ذويب : أن لا يفوّت بهذا الاستطراد فرصة التشكيك في السنة ، مادام أنه (يجدر بالذكر) التشكيك فيها !!!
والظاهر أنه بسبب هذا (الجدير بالذكر ) لم يذكر ذويب أن الاحتجاج بالإجماع والإحالة إليه مصدرا من مصادر التشريع قد ثبت بأسانيد صحيحة عن عدد من الصحابة ، ومنذ فترة مبكرة ، منذ عصر الخلفاء الراشدين . فقد ثبت عن ابن مسعود ، وعن أبي مسعود ، وعن رجل من المهاجرين .
فليس صحيحا أن القول بحجية الإجماع نشأ في القرن الثاني ، كما يريد ذويب .
لكن لعل ذويبا لا يقيم لهذه الأسانيد وزنا ؛ لأن رواياتها واردة في الكتب التي ذكرها جولد زيهر فيما جَدرَ بالذكر ذكرُه .
في حين أن ذويبا مستعد لبناء بناء شاهق على نقول متضاربة عن إبراهيم النظام ، مع فقدان كل كتب النظام ؛ مادامت تلك النقول تؤسس لفكرة إنكار الإجماع ، دون أن يتساءل: ما مدى دقة تلك النقول ، خاصة مع وجود تضارب فيها !!
الخاطرة الحادية عشرة :
يريد ذويب أن يوهم أن الأمة كانت في سبات معرفي ، حتى برز المشككون في الإجماع ، فتنبهوا إلى ضعف حديث (( لا تجتمع أمتي على ضلالة )) (78-91) ، لكن :
١- ألم يستوقف ذويبا أن هذا الحديث لم يصححه البخاري ولا مسلم !! كما في تنبيه جولد زيهر ، الذي اكتشف هذا الاكتشاف المهم : أن البخاري ومسلما لم يصححاه !! ألم يعن ذلك أن البخاري ومسلما لم يكونا في السبات المفروض عليهم ؟!
٢- هل يعلم ذويب أن البخاري ضعف أحد أشهر طرق الحديث ، وأن الترمذي أشار إلى ضعفه ، وأن النسائي قال عنه (( منكر )) ، وأن ابن كثير ضعفه ... وغيرهم .
فالصورة التي أراد رسمها ذويب عن سبات الأمة ، حتى جاء باحثوه الذين يوافقونه في التشكيك في الإجماع = صورة مزيفة ، لا تمثل حقيقة الأمة ؛ لأنها لم تسكت عن بيان ضعف الحديث . وإن صححت معناه لحجج لم يفقهها ذويب ، ولن يفقهها ما دام يظن العقلانية تكمن في الاعتراض على المسلمات !!
٣- ومن أعجب العجب أن ينقل ذويب عن باحث شيعي نقد علماء السنة للحديث (٩١-٩٧) !
تعرفون لماذا ينقل عن باحث شيعي انتقاد علماء السنة للحديث ، لكي يثبت سبات علماء السنة !!
فحتى نقد علماء السنة للحديث لم ينتبهوا هم له ، حتى جاء باحث شيعي ، فنبههم أنهم قد انتقدوا الحديث !!!
الخاطرة الثانية عشرة :
ظن ذويب أن الدليل العقلي لحجية الإجماع يستند إلى عصمة الأمة (١٠٣-١١١) ، وهو مخطئ في هذا الظن وفي هذا الفهم . ولن أتبرع هنا بذكر ما استغنى ذويب عن فهمه ، وإن كنت ذكرته في مناسبات عديدة : وخلاصته الشديدة : أن دليل الإجماع مركب من دليل عقلي ونقلي ، ويقوم النقلي لا على عصمة الأمة ، وإنما تقوم عصمة الأمة وتقوم حجية الإجماع على دليل حفظ الدين وعدم فقدانه إلى قيام الساعة ؛ لأنه الرسالة الخاتمة ، الموعود بحفظها إلى أن يأذن الله بزوال الدنيا .
ولكن المهم أن ذويبا بعد ذلك الظن الخاطئ المتعلق بالدليل العقلي لحجية الإجماع، ينقل عن القاضي عبد الجبار المعتزلي: أن عصمة الأمة يجب أن تستند إلى دليل نقلي .
فلا أدري كيف فهم ذويب هذه الخلطة من القاضي عبد الجبار !! فالدليل العقلي هو نفسه دليل نقلي .. وليس عقليا!!
المهم عند ذويب أن يُظهر بأن عقلانيي علماء المسلمين ( كالقاضي عبد الجبار المعتزلي) لم يكن عقلانيًّا ، ولا عاقلا !! حتى جاء هو وموافقوه من المعاصرين !!!
الخاطرة الثالثة عشرة :
لا مانع عند ذويب أن يثني على الباحث المتناقض أفظع تناقض ، مادام هذا الباحث ممن ينكر حجية الإجماع !!
فها هو يثني على الباحث الباكستاني كمال فاروقي (١٠٨-١١١) ، مع أن فاروقي يصحح عصمة الأمة بمعنى أنها عصمة مؤقتة ، ولذلك فلا مانع عند فاروقي من أن تجمع الأمة معصومةً في زمن ، ثم تنقض الأمة ذلك الإجماع بإجماع معصومٍ جديد !!
هذا القدر من التخريف يستحق صاحبه الإشادة عند ذويب !!!
الخاطرة الأخيرة :
لا أنكر أنه قد وقع خلط كبير في كثير من تراثنا على مستوى الاحتجاج للإجماع ، وفي مستوى التوسع المذموم في دعاواه الباطلة ، وفي غير ذلك . لكن ذلك لا يُعالج بطريقة الدكتور حمادي ، بل معالجته تزيد من السوء ، وتفاقم الخلل .
تاريخ النشر : 1436/05/25 هـ
طباعة المقالة